العودة من المجهول

ربما يظنُ البعض أن تترك الركب في صحراء خالية تشابهت جهاتها الأربع لتمشي وحيداً دون زادٍ هو ضربٌ من ضروبِ الجنون، لا تعلم أين أنت ولا أين الطريق!؟

فعاجلاً أم آجلاً ستنتهي حياتك لا محالة وستصبح نسيا منسيا عظامٌ تنخر فيها رياح الصحراء وتغطيها رمالُ الماضي، ولكن ألم يكن ذلك هو القصد، عندما تفقد الأمل في الحياة وفي فرصة جديدة فذلك أفضلُ قرارٍ يمكن أن تأخذه في ذاك الوقت.


بدأت رحلتي من قرية صغيرة وقد إلتقيت للتو أشخاصا سأرافقهم في الطريق إلى المجهول، نعم لقد كان طريقا مجهولا ومخيفا بالنسبة لي ولكن لابد من خوض تلك الرحلة لا محالة، فلم أستطع السفر بشكل شرعي لأسباب كثيرة لذلك قررت أن أخوض تلك الرحلة بلا عودة نعم بلا عودة عندما تنقطع كل سبل العيش الكريم في بلادك بل وتصبح مهانا مطاردا خائفا فلابد من ترك الأرض والهجرة إلى مكان آخر بعيد أولم يكن ذلك أمر الله لنا عندما تنهرنا الملائكة "ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها" نعم لقد كنت مستضعفا وسأظلم نفسي إن بقيت، شربنا الشاي ودردشنا قليلا ثم أتت السيارة لتحملنا معها إلى مطروح أخذنا في الطريق قرابة 10 ساعات ووصلنا في الصباح المبكر لنلتقي بشخص ما لا نعلم غير كنية له جلسنا داخل مقهى صغير ننتظر جهة الوصل بيننا وبين مهربينا أتت سيارة صغيرة لتحملنا معها إلى إستراحة، نصحني من كان يرافقني بخبرته أن أخبيء أي نقود أو أوراق رسمية أحملها معي، دخلت الحمام وقمت بتخبئة جواز سفري داخل كيس بلاستيكي وأحكمت عليه الإغلاق جيدا بقداحة كانت معي وقمت بدسه داخل حذائي وخبأت النقود في أماكن متفرقة كداخل الجورب وداخل الحذاء وداخل جيب صغير في بنطالي، لا أعلم لِم أحمل جواز سفري معي فلم أكن أحتاج إليه في تلك الرحلة على كل حال ولكن يبدو أنني كنت آمل أن أكمل رحلتي إلى أوروبا ويمكن أن أحتاجه في أي وقت، لم أستطع النوم في السيارة طوال الليل وفي الإستراحة أيضا رغم أنني مرهق من الطريق ولكن يزول الشعور بالنوم عندما تترك كل شيء خلفك أحلامك طموحاتك وأهلك وأنت تعلم جيدا أنك لن تعود مجددا لترى أمك أو إخوتك مرة أخرى وربما ستترك الحياة كلها قريبا، أخبرني المرافق بمليء زجاجة من الماء لأنني سأحتاجها بشدة في الطريق، قرابة العصر تقريبا أتت سيارة لتحملنا معها إلى الملتقى حيث يلتقي العديد من الأشخاص في ذلك المكان نزلنا في منتصف طريق صحراوي ثم أتت سيارة ربع نقل مغطاة بغطاء إرتفاعه قصير ثم نزل المهربين ينادون أنفسهم بالكنى أيضا شبه ملثمين وقالوا بصوت عالي أسرعوا بالدخول، تدخل السيارة زاحفا على ركبتيك ثم تجلس مقرفصا، لقد إمتلأت السيارة حتى إختنقت من الزحام كثيرا، بعد عشرة دقائق تقريبا أخبرونا أن ننزل بسرعة من السيارة هذه المرة سنركب سيارة ربع نقل ولكن ليست مغطاة لحوم بشرية في كل مكان نائمة في داخل تلك السيارة تحشر نفسك في وسطهم ثم يغطون السيارة وتنطلق قرابة 10 دقائق أخرى تتنفس بصعوبة وتكاد أنفاسك تنقطع وصلنا إلى مكان جبلي ثم نزلنا هناك يبدو أننا قريبين من معبر السلوم، نظرت حولي فإذا بمجموعات كثيرة حولي كل مجموعة قرابة 40 الى 70 شخص تقريبا كل مجموعة يقودها بدوي يعرف الطريق يقال له "الدليل" عادة عدة أشخاص يقودون المجموعة الواحدة، إنطلقت مجموعة أمامنا ولم ننطلق معهم كنا ننتظر مجموعة أخرى مع الدليل، أتت مجموعة من الأشخاص تلتها مجموعة أخرى إلى أن إكتمل عددنا قرابة 60 شخصا، غروب الشمس قد بدأ والظلام بدأ بالهبوط تدريجيا، هيا لننطلق كما قال الدليل، مشينا قرابة 5 دقائق داخل ممر جبلي ثم وصلنا إلى مكان مرتفع بزاوية منحدرة ثم بدأنا بالصعود، جسدي هزيل ولم أمارس الرياضة كثيرا لذلك كان الصعود متعبا وشاقا بل أحسست بالدوار وحالة من الإرهاق الشديد والإعياء الذي يهيء لك أنك يمكن أن يتوقف قلبك في أية لحظة ويغمى عليك، بصري أصبح ضبابيا، قاومت وصعدت إلى منتصف المسافة تقريبا، أردت الجلوس في مكاني ولكن من كانوا يرافقونني قالوا لي لا تجلس هيا بنا ثم ساعدني شخص منهم بدفعي من كتفي إلى الأعلى لمساعدتي في الصعود، الكثير منا أصابه ما أصابني لازلنا في أول الطريق ولم نقطع حتى 3 كيلومترات وأصابني ما أصابني وصلنا إلى قمة ذلك المكان المرتفع كلنا أصابنا الإعياء وجلسنا لنستريح قليلا، بدأ بعض الأشخاص بالتحدث وبدأت أصواتهم بالإنتشار في الخلاء، نهض الدليل ونصحنا بالصمت وهو غاضب جدا لكي لا يُسمعَ صوتُنا لأن فِرقَ التمشيطِ التابعةِ للجيش يمكن أن تكون في أي مكان حولنا صمت الجميع قليلا ثم بدأ البعض بالتحدث مجددا، نهض وألقى بعض الحصى عشوائيا علينا وقال لنا نحن نحاول أن نتعامل معكم بإحترام ولكنكم لا تحترمون أنفسكم، في الطرف المقابل من الصحراء لن تكون هنالك رحمة أو إحترام وسترون ذلك بأنفسكم، ثم قال هيا لننطلق وبدأت الرحلة من هنا بدأ بالمشي في الصحراء بخطوات سريعة وبدأنا بالمشي خلفه، أن تمشي بخطوات متسارعة في وسط تلك الرمال شيء مرهق، ظللنا نمشي لعدة ساعات بخطوات سريعة، كنت ابطيء قليلا كل حين من شدة التعب ولكن المجموعة كانت تختفي من أمامي بسبب الظلام الدامس لذلك كنت اركض خلفهم مسرعا حتى ألحق بهم مجددا، ولكن كنتُ أزدادُ تعباً لكن لم يكن هنالك إختيار آخر وبعد قرابة الثلاث او أربع ساعات من المشي المتواصل إفترشنا رمال الصحراء لنرتاح قليلا، كنت أحمل معي حقيبة بها زجاجة الماء وبنطال وتيشرت وشهادة تخرجي لا أعلم لما أخذتها معي ولكن يبدو أنني كنت آمل أن أعمل بشهادة الهندسة ولكنه كان حلماً أحمق أهاجر هجرة غير شرعية هروباً من واقع سيء لواقع أسوأ حقيقة لقد كنت مهاجراً لأختبيء في بلد غريب وأعمل في مخزن للإسمنت نعم كنت سأحمل الإسمنت في المخزن أو أفرغ السيارات أو احملها في السيارات، وضعت تلك الحقيبة تحت رأسي ونظرت للنجوم في تلك اللحظة لم أكن أفكر في أي شيء سوى كيف سينتهي المطاف!؟

قطع صوت الدليل تساؤلاتي، هيا بنا نتحرك، نهضنا وبدأنا بالمشي بأقصى سرعة لنا الخطوات أسرع من ذي قبل كأننا تقريبا نعدو، يبدوا أننا لم نقطع سوا القليل من المسافة، مشينا قرابة الساعة ثم شعرنا بأضواء من بعيد أخبرنا الدليل بالنوم على الأرض والصمت، لقد كانت دورية للجيش بالقرب من الحدود المصرية الليبية، سيارة تمشط المكان بحثا عن أي شيء يتحرك، عبرت السيارة ولم ترنا بدأنا بالتحرك مجددا بسرعة مشينا قرابة الثلاث ساعات تقريبا لقد وصلنا بالقرب من الحدود وبدأنا بالعدو وصلنا لطريق أسفلتي يبدوا انه يربط أبراج المراقبة ببعضها البعض جرينا بأقصى سرعتنا ووصلنا إلى الأسلاك الشائكة سمعت صوت طلقات نارية بعيدة لا أعلم هل هيا بإتجاهنا أم بإتجاه آخر، بدأنا بالعبور من خلال الأسلاك ومشينا قرابة 10 دقائق ثم أخبرنا الدليل أننا سندخل حقل ألغام يجب أن نمشي خلفه في صف واحد ولا نحيد يمينا أو يسارا وإلا سنصبح أشلاء، حقيقة لم أعد أبالي البتة إن إنفجر لغم في، عبرنا حقل الألغام بسلام وظللنا نمشي داخل الحدود الليبية إلى أن بدأت الشمس بالظهور، نعم لقد مشينا من المغرب إلى صباح اليوم التالي، يبدو أننا قطعنا مسافة ما بين 70 إلى 100 كيلومتر تقريبا في تلك الليلة، بدأ الدليل يخبرنا أن نسرع قليلا لأن ضوء الشمس سيكشفنا قال لنا لم يبق سوى القليل، مشينا قرابة الساعة ثم وصلنا إلى مخازن أسمنتية تبدو كالبيوت من الخارج أدخلونا بداخلها لننتظر قليلا...

سأحدث القصة عندما أجد وقت فراغ

تعليقات

المشاركات الشائعة